جدل واسع أثارته الكنيسة الأرثوذكسية في مصر بشأن ما تردده عن ظهور السيدة مريم العذراء مجددا في كنيسة العذراء بحي الزيتون بالقاهرة، وذلك بالتزامن مع إحياء عشرات الآلاف من الأقباط يتقدمهم -البابا شنودة الثالث بطريرك الأقباط الأرثوذوكس- ذكرى "ظهورها" للمرة الأولى قبل 40 عاما مساء أمس الإثنين.
ففي الوقت الذي أكد فيه البابا شنودة والكنيسة القبطية حدوث هذا التجلي "المعجزة"، فإن علمانيين أقباطا اعتبروا الحديث عن ظهور العذراء مجرد "خرافات" واتهموا الكنيسة بالسعي للتربح من وراء نشر هذه "الخرافات".
واحتشد نحو مائة ألف شخص مساء الإثنين داخل كنيسة الزيتون بالقاهرة وعلى جانبي الطريق المؤدي إليها للاحتفال بالذكرى الأربعين لما يصفونه بظهور العذراء للمرة الأولى فوق سطح الكنيسة في 2 أبريل 1968.
ظهور متكرر
وتعود قصة ظهور السيدة مريم العذراء فوق كنيسة الزيتون إلى 2 أبريل 1968، حيث قال عمال في مرأب (مكان تجمع السيارات) هيئة النقل العام المواجه للكنيسة إنهم شاهدوا سيدة تتحرك أعلى القبة الرئيسية لسطح الكنيسة، ثم انتشر الخبر سريعا ليتدفق الآلاف إلى الكنيسة لمشاهدة الأمر، وقد أكد البابا كيرلس السادس -بابا الأقباط حينئذ- في بيان صادر عن الكنيسة حدوث هذا الظهور، كما ذهب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بنفسه إلى الكنيسة.
قصة ظهور العذراء قوبلت بتشكيك من قبل بعض المراقبين والمؤرخين، حيث اعتبروها محاولة من جانب نظام الرئيس عبد الناصر لتحويل الانتباه عن الغضب الشعبي العارم بسبب هزيمة حرب يونيو 1967، وإعطاء إيحاء بأن السماء تؤيده ومن ثم فعلى الأرض أيضا أن تؤيده.
من جانبه أكد القمص صليب متى ساويرس -وكيل المجلس الملي العام وكاهن كنيسة الجيوشي- ظهور السيدة العذراء مجددا بعد عام 1968 وحتى العام الجاري، واصفا ذلك بأنه "معجزة في زمن يخلو من المعجزات، بما يعكس حالة من العجز الدائمة والمستمرة يعيشها البشر".
ويضيف متى لـ"إسلام أون لاين.نت": "ظهور السيدة العذراء ليس بالأمر الغريب فهو تكرر كثيرا منذ ظهورها في 1968، خصوصا في شهر أبريل، وقد ظهرت هذا العام لوقت طويل، كما رآها ملايين الأقباط والمسلمين في أسيوط عام 2000، وكنت واحدا منهم حيث ظهرت على شكل خيال ضوئي، ثم تكرر الأمر هذا العام في عدة محافظات".
خرافات!
وتثير تأكيدات الكنيسة ظهور العذراء انتقادات عنيفة من جانب العلمانيين الأقباط، الذين يتهمون الكنيسة باستغلال مثل هذا الحدث للتربح منه، حيث تعد روايات الظهور المتكرر للعذراء -كما يقول الناشط القبطي المعروف جمال أسعد- "ترسا في دائرة ضخمة تدور في عقول الأقباط، وتشمل معجزات القديسين وشفاء المرضى والتبرك بزيت صور العذراء وكذلك صور مار جرجس وبيع الأيقونات المسيحية".
وفي تصريحات لإسلام أون لاين.نت يرى أسعد في ذلك "نظرة تجارية بحتة من جانب الكنيسة التي تستثمر المشاعر الدينية لبسطاء الفكر وليس المال في تحقيق أرباح طائلة"، على حد زعمه.. "الكنيسة استفادت كثيرا من هذه الخرافات واستثمرت الأمر في إقامة الاحتفالات والموالد وبيع الصور والأيقونات بالآلاف، فتحول الأمر إلى تجارة وليس إلى عبادة"، يضيف جمال أسعد.
وعود البابا
ويوضح الناشط القبطي أن ما يسمى بالمعجزات في الإنجيل محدد بنصوص واضحة وكتابات تهدف لإثبات شيء معين، ومن ثم فأهم سمة تميز المعجزة أنها شيء خارق للعادة لا يتكرر، "أما الحديث عن ظهور متتال للسيدة العذراء خصوصا هذا العام فهذا ضد طبيعة المعجزة نفسها لأن تكرار المعجزة يلغيها".
بدوره انتقد كمال زاخر -منسق جبهة الإصلاح الكنسي، والتي تنادي بإجراء إصلاحات واسعة داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وطريقة عملها- تبني الكنيسة روايات ظهور العذراء. ولفت إلى أن البابا شنودة عندما اعتلى رأس الكنيسة أكد أن أول ما سيقوم به هو مراجعة وتنقيح الكتب الطقوسية والتراث القبطي، "لكنه حتى الآن لم يفعل".
ويضيف زاخر: "الله أعطى للإنسان عقلا لا بد أن يتحرر من سيطرة رجال الدين الذين يصرون على أن تمر علاقة الناس مع الرب من خلالهم، وكأنهم يمتلكون صكوك الغفران".
السلام الوطني!
وتميز احتفال هذه العام بمشاركة البابا شنودة الثالث -على غير المعتاد في الأعوام الماضية- حيث حظي باستقبال حافل لدى وصوله الكنيسة، إذ غنى كورال من الأطفال بعض الترانيم المسيحية، كما تم عزف السلام الوطني لمصر عند دخول البابا شنودة رغم غياب أي تمثيل رسمي عن الاحتفال.
وبدت حالة الإعياء واضحة على البابا شنودة بعد عودته الأحد الماضي من رحلة رعوية في بريطانيا. وفي كلمته خلال الاحتفال أشار شنودة إلى أن "الدول الغربية اهتمت بظهور العذراء عام 1968، كما رآها المسلمون قبل الأقباط"، وكذلك الرئيس المصري -حينئذ- جمال عبد الناصر "لتصبح حدثا عالميا".