جدار الصمت...وثورة ألخلود (1)
لم أذق طعم تلك اللحظات التي أخلوا فيها مع نفسي من قبل ، ولم تكن مشاعري الجياشة قد التهبت بالحماس برغم كهولتي فاشتعلت أنفاسي ناراً تتفجر كبراكين ساحقة ومدمرة وكأنني لست من فصيلة بني الإنسان ، فإنها لحظات تاريخية بالنسبة لعمري لو حسبتها بعدد مامضى من السنين أجتر وصمة الخزي والصمت على تردى الأحوال و إزاء مايجرى حولي في سنين القهر وخيبة الأمل التي مرت على نفسي وعلى الناس ولم أفعل فيها شيئا لوطني أو أمتي وكأني مجرد قطعة من صخر قد وضعت في جانب من مكان ما ولن تستطيع الحراك ولن تدب فيها حياة فقد أديت خدمتي العسكرية وشاركت في حروب أكتوبر ولكنى أشعر بالظمأ دائما في تقديم الواجب المقدس لله وللوطن وحتى لا أسأل أمام الله على التقصير في أمر الجهاد ولكنى في هذه الثورة وجدت نفسي أختلف اختلافا جذريا فها قد تفجرت مشاعري كبركان ثائر أجول مع أبنائي في الشوارع ليقتحم الناس جدار الخوف والرعب بانتفاضة حرة يطالبون بأسمى شرف واجب على كل مسلم بالنداء والتعبير عن حقوقهم المنزوعة وشرفهم الضائع ولقمة عيش نقية ، إنهم شباب وليسوا أحزاب ولكن مشاعر الوطنية سرعان ماوجدت طريقها في نفوس الصغير والكبير وازدادت أجيج نيران الحق المضطرم في النفوس ووجدتني أتسارع لأداء واجبي في الدعوة والسير مع أبنائي في التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي ومطالبة بالحقوق فانهالت شراذم الأفاقين قتلا وتمزيقا وتفريقا ولكنها فشلت في إخماد ثورة كانت جاثمة على النفوس ألتي صبرت على الذل والقهر وغلق المساجد إلا في مواعيد الصلاة وبعدما هدأت النفوس وانتصرت كلمة الحق وأستعاد الشباب كرامتهم ونالوا ماأرادوا وأستعاد ألكل كرامته فقد التحمت كل لقلوب بفئاتها وأحزابها وكل شريف كان يخاف أن يقترب من جدار الرعب والقهر والصمت وعادت الحياة إلى طبيعتها ولكن بوجه يختلف عما كانت عليه من ذي قبل ، وترنح جدار الخوف ثم أنهار أمام معاول الحق وهدير الشعب الذي كان يستخرج مشاعر وأصوات تهتز لها كل أركان الأرض ، وكنت أخلو بنفسي في لحظات لأتساءل في عجب واستغراب في نفسي كيف استيقظت هذه الملايين العظيمة في ساعة الغضب وعبرت جدار المستحيل وتهاوى في لحظات أمامها ولم تفكر أن تلتحم بيد واحدة وقلب واحد في الرجوع إلى الله والخشوع أمامه لتنتصر رسالات الدعوة وتتحد ليرضى الله عنا وحينما تأملت ذلك بكيت بكل جوارحي والتهبت مشاعري من جديد ورأيت نفسي كالعصفور الضعيف الذي لم يستطيع في دعوته إلى الله أن ييقظ القلوب لدرجة أن تلتحم في صدقها مع الله ولتعلن ثورة جارمة على النفس والشيطان وتصحح مسارها المبتعد عن طريق الله وإذا كنا نثور من أجل الكرامة وهذا واجب جهادي مقدس فلماذا لم نثور من أجل آدميتنا التي سوف نذل إن لم نكن نعمل من أجل عزتنا كآدميين أمام الله فإن مواقف القيامة مرعبة وتحتاج لثورة على النفس والشيطان ومكاسب ثورة الدنيا لها أجل أما مكاسب ثورة الجهاد على النفس فليس لها إلا الخلود وناهيك ياأخى فإن فضل تسبيحة واحدة مكسبها عند الله خير مما طلعت عليه الشمس ، إننا نحتاج لهذه الثورة بأجيج بركانها المستعر لتسكن نفوسنا في بحار الود والتراحم وعبيق الحب الشامل بين الناس وحتى تتهاوى مع ذلك صفات الحقد والتشاحن والتباعد عن الله ونعمل لرضائه سبحانه وتعالى ، لماذا لم أرى يوما تتحد فيه الشعوب العربية على الحب وإحتضان المشاعر ليسود التآلف ويبحر الشيطان بذريته بعيدآ عنا ونرى الشوارع تكتظ بكل ماهو عظيم ونخاف على أوطاننا وديننا ونعلم أن الدنيا من أقصاها إلى أدناها ماهى إلا كخيمة نرتاح فيها للحظات ثم نرحل ، وأن أعمالنا مهما كانت أمام أعيننا سهلة وبسيطة فإنها عند الله سوف نراها كنوزا عظيمة وتكون لنا خير وقاية ففوائد الأعمال حقيقة عظيمة نستهون بها ولن نعرف قدرها إلا عندما يأتينا اليقين ، وكلما مرت على نفسي فكرة رأيت فيها عظمة التحدي لسبل الشيطان والنفس والهوى ولمثل هذا فليبدأ المشتاق إلى ألخلود بثورة على نفسه ويصحح مساره إلى طريق الله فنحن راجعون إليه ولا محالة وسوف يعين الله من أراد سلك طريق الحق ومن يستطيع المحاولة بنية صادقة ، ومن لم ينجح فسوف يعيد المحاولة من جديد فهي ثورة للهروب من الباطل ومع التكرار سوف ننجح بإذن الله وتوفيقه ونحظى بثواب الأعمال فنحن نراقب بكاميرات في الكون تحصى الصغيرة والكبيرة لنا أو علينا ، وكاميرات خفيه قد وضعت في أجسامنا تحصى كل شيء علاوة عن ملكين عن يمينك وعن يسارك يكتبان ولن يترك الإنسان سدى أبداً ولنعلم جميعا أن الله ألذى خلق النار وأنطقها وسبح بحمده الرعد وكل شىء من الموجودات هو وحده صاحب الفضل وهو الذى أيقظ الشعوب ونصرها ليعود الحق والسلام والأمان لكل مخلوق ضعيف وهو كذلك الذي دبر وخطط ولكننا تناسينا الفضل لهذا الصانع العظيم فنح بغير مشيئة الله لانساوى شيئا فكل شيء من مشيئة المليك المقتدر الذي يعطى ويسبغ في العطاء على الظالم والمظلوم ولكن إن دعاه المظلوم فلن يفتر عن إجابته ويقول له وعزتي وجلالي وإرتفاعى ومجدي لأنصرنك ولو بعد حين فهو الحليم وهو الودود ذو العرش المجيد والفعال لما يريد سبحانه ، أسأل الله أن يرحمني ويرحمكم ويغنينا بعلمه وفضله وعطائه فنحن لانسأل أحداً غيره
وحتى نلتقي في مشاركة أخرى إن كان لي في ألعمر
بقية أستودعكم الله
ساديكو