البخيل والذهب
كان رجل بخيل بلغ من الكبر عتياً ، واشتعل رأسه شيباً ،
ليس له أحد ، لا زوج ولا ولد ولا قريب ، يجمع المال ويكنزه ،
وذات يوم تأخر على غير عادته ، ولم يخرج إلى دكانه ،
وكان صانعاً للنعال والأحذية ، أراد أحد جيرانه أن يطمئن عليه فجاء إلى بابه الذي كاد يتهاوى ،
لو اتكأت عليه الريح لانهدم ، فدفع الجار الباب ثم دخل عليه ونادى عليه يا فلان ، ففزع وصرخ وجمع أطرافه ، وقال :
ويحك ماذا تريد ؟ اذهب ، اخرج ، فقال له :
جئت أعودك أتفقدك ، ثلاثة أيام لا أراك في دكانك ،
فطرده شر طردة ، فخرج من عنده وهو خائف عليه أن يكون به مس أو
أصابه شيء ، فعاد إليه مرة ثانية ، وإذا به قد جمع الذهب أمامه ، دنانير
الذهب المصكوكة أمامه بريقها يتراقص على ضوء المصباح ، وبجواره زيت ،
وهو يخاطب الذهب : يا حبيبي ، يا من أفنيت فيك عمري ، أموت
وأتركك لغيري ، لا والله ، أنا أعلم أن موتي قريب ، وأن مرضي خطير ،
ولكني سأدفنك معي ثم يأخذ دينار الذهب ، فيغمسه في الزيت ويلقي به إلى فمه ، ويبلعه يقول :
فإذا بلعه أصابته كحة شديدة يكاد أن يموت منها ،
ثم يأخذ نفسه ويرفع ديناراً ثانياً ، ويخاطبه بشوق ووله وهيام ،
كأنه حبيب جاء من مكان بعيد ، ثم يغمسه في الزيت ويهوي به في فمه .
فلما رأى ذلك الجار الزائر قال في نفسه ،
والله لن يأخذ مال البخيل إلا أنا . يقول ذلك الجار :
فأوصدت عليه الباب ، وربطته في سلك ، وتركت ثلاثة أيام
حتى اطمأننت أنه هلك ، يقول : فجئته فإذا هو قد تحجر ويبس
في فراشه ، وقد ابتلع كومة الذهب الذي أمامه ، يقول فأخبرت الناس
فحملوه وغسلوه وهم يتعجبون لثقله ،
يقولون : ليس فيه إلا الجلد والعظم ما باله ثقيل ،
بعضهم يقول : من البخل ، والآخر يقول :
من الذنوب ، وهم لا يعلمون السر الذي أعلم ، يقول :
فدفناه ووضعت علامة على القبر ، فلما انتصف الليل ،
أخذت معي الفأس والمعول ، ثم أخذت أحفر القبر ،
ودفعت عنه التراب ، وأنا ألتفت يميناً وشمالاً حتى لا يراني أحد ،
ثم أزحت الحجارة عن اللحد ، فبان بياض الكفن ، فأخرجت سكينة ،
وقطعت الكفن تجاه البطن ، ثم بقرت بطنه ،
فإذا الذهب يتوهج على ضوء القمر ، يقول :
فمددت يدي لآخذه ، فإذا هو حار كالجمر المستعر ،
يقول : فصرخت ونزعت يدي ، وأهلت القبر بالحجارة ،
وأهلت عليه التراب ، وخرجت أصرخ ، ما رأيت ألماً مثله ،
فغمست يدي في الماء البارد ، وظللت سنوات أحس بهذه اللسعة تأتيني بين فترة وفترة ، أعوذ بالله من البخل وأهله .
قال تعالى : ويل لكل همزة لمزة * الذي جمع مالاً عدده * يحسب أن ماله أخلده * كلا لينبذن في الحطمة * وما أدراك ما الحطمة * نار الله الموقدة * التي تطلع على الأفئدة * إنها عليهم مؤصدة * في عمد ممددة (1) :ـ سورة الهمزة – الآيات 2:9 ـ .
كما أوصدوا على الذهب ، ولم يخرجوه ، فكذلك توصد عليهم النار جزاء وفاقاً .