ارضاء النساء غاية لاتدرك
يروى أن في زمن ما كانت تخرج الأمهات برفقة الجدة والأخوات للبحث عن فتاة
تحمل
في أذهانهن مواصفات لابنهم الذي قد كوّن نفسه وأصبح جاهزا ً للاقتران
بشريكة
العمر ..
وبعد أن دخلنا عصر الفضائيات وأصبحنا من زوار القمر والمريخ تبدلت أساليب
الخطبة والتعارف بين الشباب والفتيات وأصبحنا نجد حالات كثيرة يشير بها
الشاب
إلى فتاة أحلامه فتذهب الأم وحاشيتها لخطبتها ومن ثم يتفقن على مراسيم
الزواج
من مقدم ومؤجل وذهب وثياب وما شابه ذلك كل مجتمع حسب عاداته وتقاليده ..
تقدم بنا العمر وتوصلنا إلى التكنولوجيا الرقمية ودخلنا عصر الانترنيت
وعمت
الفرحة بلادنا حيث الجمعيات كثرت من حقوق للأطفال والنساء والكلاب والحمير
وجمعيات جمة يعجز الإنسان عن إحصائها حالياً وبات الإنسان في الوطن حر
يتمتع
بكامل إنسانيته ويمارس شتى أساليب ديمقراطيته حتى أصبح الذئب والحمل
يعيشان
معاً لما وصلنا إليه من العدالة الاجتماعية ولم يعد يشتكي المواطن من شيء
فأبواب المسؤولين أمامه مفتوحة لا عوائق ولا مفاتيح ولا سكرتيرات ولا حتى
غرف
انتظار وبضغطة زر يمشّـي كل معاملاته في دوائر الحكومة ..
رغد العيش وحرية الاختيار قضت على جميع الأعراف والتقاليد التي شب عليها
مجتمعنا العربي فلم يعد هناك حاجة لتطوف الأمهات على البيوت لتبحث عن فتاة
لخطبتها ولم يعد هناك حاجة للفتيات لكي يرمين شباكهن للإيقاع بمغفل في
حبها
وإنما أنشئت لهذا الغرض محلات تجارية يباع فيها الرجال والنساء.. وذات مرة
أرادت فتاة أن تختار لنفسها رجلاً يكون شريكاً لها فيما تبقى لها من العمر
فدنت
من إحدى المحال التجارية التي يباع فيها الرجال وتلفتت يمنة ويسرة فوجدت
لائحة
مكتوباً عليها :
أخواتي النساء بإمكانكن شراء الرجل المناسب من هذا المحل بعد الموافقة على
الشروط التالية :
1- زيارة هذا المحل لمرة واحدة فقط .
2- في هذا المحل يوجد ستة طوابق وفي كل طابق يوجد مواصفات لرجل أحلامكن
ومن
خلال صعودكن للطابق الأعلى بإمكانكن الحصول على مواصفات أجود.
3- باستطاعتكن اختيار أي رجل من أي طابق تردن أو بإمكانكن الصعود للأعلى.
4- العودة إلى الطابق الأدنى لاختيار رجل - إن لم يناسبكن الرجل في الطابق
الذي
أنتم فيه - غير مسموح بها .
5- من تصل إلى الطابق السادس ولا تختار رفيق عمرها ستبقى عانساً مدى
الحياة .
في أسفل اللائحة كتب ملاحظة باللون الأحمر :
(( قبل أن توقعي على شروطنا احترسي الغيب وتذكري أن القناعة كنز لا يفنى
..))
حملت تلك القلم ووقعت في دفتر الزوار وسارت على بركة الاختيار عسى
أن
تجد رفيق عمرها في هذا المحل التجاري .. جالت في الطابق الأول فوجدت لوحة
مكتوباً عليها :
- هنا يوجد رجال للبيع يملكون وظيفة وراتباً شهرياً جيداً ولديهم بيت
..
أسرعت الخطى لتصعد الدرج إلى الطابق الثاني .. نظرت حولها فوجدت لوحة
مكتوباً
عليها :
- هنا يباع الرجال الذين لديهم عمل وراتبهم الشهري جيد ويملكون بيتاً
ويحبون
إنجاب الأطفال ..
لم تجذبها هذه المغرية فأسرعت إلى الطابق الثالث .. دنت من لوحة المواصفات
وقرأت :
- هنا يوجد رجال لديهم عمل وراتبهم الشهري جيد ويملكون بيتاً ويحبون إنجاب
الأطفال ويتمتعون بمظهر لائق وجميل ..
تنهدت قليلاً ثم فكرت وانطلقت إلى الطابق الرابع لتقرأ ما كتب عن مواصفات
الرجال في هذا الطابق فوجدت ما يلي :
- هنا يباع الرجال الذين لديهم عمل ورواتبهم جيدة ويملكون بيتاً ويحبون
إنجاب
الأطفال ويتمتعون بجمال رائع ويساعدون النساء في أعمال المنزل ..
لم تكن تتوقع مثل هؤلاء الرجال في هذا المحل حتى أنها كادت أن تفقد صوابها
ومع
ذلك صعدت إلى الطابق الخامس متلهفة لعروض أفضل وباتت تعرف أماكن لوحة عرض
المواصفات فسارعت لقراءتها :
- أختي الطموحة دائماً تذكري توقيعك !! هنا يوجد رجال لديهم عمل وراتب جيد
وبيت
ملك ويحبون إنجاب الأطفال وجميلون جداً ويساعدون النساء في أعمال المنزل
ويتمتعون بإحساس مرهف , رومنسيون ويجيدون العزف على البيانو ..
تلعثمت .. تعثرت .. كادت أن تحلق في الفضاء لشدة فرحتها وسعادتها بمثل
هؤلاء
الرجال في الوطن .. أرادت أن تبقى لتختار لنفسها شريكاً لحياتها عسى أن
تتخلص
من عزوبيتها ولكن في رأسها هاجساً وفي صدرها حلماً آخر ربما تجده في
الطابق
الأخير فدفعها طمعها و ركضت إلى حتفها في الطابق السادس .. وهناك وجدت
لوحة
الكترونية مكتوباً عليها :
- أنت على هذا الطابق تعتبرين الزائرة رقم .93874.75 وهنا لا يوجد رجال
وهذا
الطابق وجد لكي نبرهن لكنّ مرة أخرى أن النساء لا يمكنهن أن يصلن إلى
السعادة
الزوجية مهما حاول الرجال أن يتمتعوا بمواصفات ومهما أعطوكن من حقوق ..
نشكركن
على زيارة محلنا ..
ضاقت الدنيا على اتساعها في عينيها .. وسارعت إلى النافذة المطلة على
الضفة
الأخرى من الشارع فوجدت بناء شاهقاً مكتوباً عليه نساء للبيع و على الطابق
الأول علقت لوحة مكتوب عليها :
- نساء يرغبن بشريك العمر يقاسمنهم الحياة حلوها ومرها ويحببن إنجاب
الأطفال
..
رفعت نظرها إلى الطابق الثاني فوجدت لوحة مكتوباً عليها :
- هنا يوجد نساء غنيات يرغبن بشريك العمر أن يقاسمهن الحياة حلوها ومرها
ويحبون إنجاب الأطفال ..
فعادت بنظرها إلى الطوابق الأعلى فوجدت لوحة مكتوب عليها :
- أما هذه الطوابق المتبقية من هذا المبنى فلم يزرها بعد أحد من الرجال..
العودة إلى الوراء باتت مستحيلة ولم يكن أمامها سوى السير في نفق النضال
لتدخل
في صراع وهمي تحت اسم جمعية حقوق ..