--------------------------------------------------------------------------------
فارق كبير بين الدكتور محمد البرادعي - الرئيس السابق لوكالة الطاقة الذرية - والسيد جمال مبارك - أمين سياسات الحزب الوطني - .. فرق كبير بين صاحب الخبرة وصاحب الحظوة .. بين العالم والسياسي و خبير الصرف .. بين الرجل الذي يشعر بالفقراء والشاب الذي يعيش في قصر الرئاسة منذ 28 عاما .. بين من يعتمد علي فكره ومن يعتمد علي «جدو» ولاعبي المنتخب القومي .. بين من يعمل بمفرده ومن تعمل دولة بأكملها لتسويقه .. بين من يريد تعديل الدستور من أجل مصر ومن عدَّل الدستور من أجل نفسه ، باختصار ليس فارقا واحدا بل هناك عشرة فروق بين الدكتور البرادعي ونجل الرئيس.
1- الكاريزما
لا تحتاج سوي أن تشاهده لمدة لا تزيد علي عشر دقائق في برنامج تليفزيوني لتدرك أن الدكتور محمد البرادعي يحمل كاريزما خاصة لم نرها منذ سنوات في مصر فهو يشبه الزعيم الهندي غاندي في ملامحه ويذكرنا بالزعيم سعد زغلول في إيمانه بأهمية الشعب وبالرئيس جمال عبد الناصر عند حديثه عن الفقراء، مما يجعله مؤهلا لأن يصبح رمزا لشعب يبحث عن ملهم وينتظر قدومه منذ سنوات من أجل تحفيزهم علي المشاركة في الحياة السياسية بينما نجد أن السيد جمال مبارك - أمين السياسات في الحزب الحاكم - لم يستطع حتي الآن أن يجذب إليه ملايين البسطاء رغم كثرة حواراته التي تؤكد أنه مازال أمامه وقت طويل ليستطيع التأثير في الناس بكاريزماته وليس بنفوذه .
2- الخبرة
البرادعي يعمل منذ أكثر من 40 عاما في الخارجية والعلاقات الدولية وجلس 12 عاما علي مقعد يرأس من خلاله 150 دولة كرئيس لهيئة الطاقة الذرية وبالتالي ليس من الوارد مقارنته بشاب كل خبرته أنه عمل في عدة بنوك وترأس أحدها ثم دخل إلي الحياة السياسية من أوسع أبوابها عن طريق والده ليصبح في سنوات قليلة الرجل الثاني في مصر ويسعي كل الوزراء لكسب وده وبالتالي كل خبراته السياسية تتلخص في أن كل الوزراء يسمعون كلامه ويطلقون عليه لقب «الأستاذ» دون أن نري له رؤية تعكس هذه الأستاذية سوي أنه ابن السيد الرئيس حسني مبارك.
3- كرة القدم
لا يحتاج الدكتور البرادعي الذي تعرفه الدنيا بأسرها ويذهب لكل دول العالم باعتباره رمزا مهما أن يذهب لمباريات كرة القدم من أجل أن يخطف فوزا من اللاعبين ومدربهم ويترك الخطط السياسية ويتفرغ للحديث عن خطط اللعب مثلما يفعل جمال مبارك الذي أصبح ضيفا علي كل مباريات المنتخب القومي لكرة القدم وهو يمسك علم مصر ويهتف «زي ما قال الريس منتخب مصر كويس» ولم يكتف بكرة القدم التي يلعبها علي طريقة «ابن الناظر» ويتحدث عنها باعتباره مديرا فنيا لكنه انتقل إلي ملعب كرة اليد وبمجرد ذهابه وجلوسه في المقصورة في نهائي كأس أفريقيا بين المنتخبين المصري والتونسي ففرح الشعب التونسي بحصول فريقه علي كأس أفريقيا من القاهرة لأول مرة في تاريخ اللعبة التي تعد مصر من أفضل دول العالم فيها.. ولو كانت مصر فازت لكانت نقلت لنا وقائع أن نجل الرئيس والسادة الوزراء الذين يجلسون بجواره في المقصورة المخصصة لكبار رجال الدولة مجرد مواطنين مصريين بسطاء يفرحون لفرحة منتخبهم وكأن هناك من شكك في وطنيتهم (رغم أن الوطنية لا علاقة لها باللعب سواء كان يد أو قدم وإلا أصبح عدد كبير من العلماء والمفكرين خونة) لكن في الوقت نفسه الدكتور البرادعي كرجل له ثقل دولي لا يسعي لكسب شعبية وهمية علي حساب لاعبي الكرة.
4- العلم
في أحاديث الدكتور البرادعي لفت انتباه الجميع بأرقامه التي يحملها في رأسه ولا يكتبها في ورقة أمامه ، تلك الأرقام تجعلك تشعر أن هذا الرجل لم يغادر مصر ويعرف كل ما يحدث فيها رغم مشاغله الدولية خاصة أنه يدرك أن الأرقام الحقيقية لا يمكن أن تحصل عليها إلا من خارجها عن طريق الأمم المتحدة لتكون معبرة عن الواقع علي عكس الأرقام التي ينقلها لنا أمين سياسات الحزب الحاكم والتي لا نعرف من أين يأتي بها والغريب أنه لو نظر نظرة واحدة من سيارة سيادته لميدان العتبة وقت الذروة سيخرج بعدها ببيان يعتذر فيه للشعب المصري عن أرقامه الحكومية .
5- الشعور بالفقراء
كل من سمع محمد البرادعي أو شاهده أو قرأ له حوارًا أدرك منذ اللحظة الأولي أنه يضع الفقراء علي رأس أولوياته ويعرف أعدادهم وأماكنهم ولديه تصور لحل مشاكلهم بل إنه يراهن عليهم ويشعر بأهميتهم وقدرتهم علي تغيير الأوضاع القائمة والنهوض بالبلد في حين أن نجل الرئيس مبارك لم ير الفقراء سوي من خلال الأشخاص الذين تقوم أجهزة الأمن بإعدادهم لمقابلة سيادته في زياراته الميدانية ولم نسمع في حواراته - ولو صدفة- سيرة هؤلاء الفقراء الذين ينتمي إليهم أغلب الشعب المصري - وإحنا معاهم - وإن جاءت سيرة الفقراء نجد أنه يتعامل معهم باعتبارهم عبئا علي الحكومة .
6- الشعبية
أربعة أيام منذ حضور الدكتور البرادعي إلي مطار القاهرة يوم الجمعة الماضية ولم يظهر سوي في برنامجين فقط لكنه استطاع تغيير مفاهيم كثيرة لدي المصريين بإجاباته الواضحة والرائعة علي المذيعين ليكسب عدد ًا كبيرًا من المصريين دون أن يعتمد علي شيء سوي فكره مما يؤكد أن هذا الرجل يمكن أن يكسب كل فئات الشعب في شهور قليلة وتوحيدهم خلفه لكن علي الجانب الآخر نجد أن جمال مبارك لم يستطع كسب الناس في عدة سنوات رغم تسخير كل وسائل الإعلام لخدمته وحديثهم عنه ليل نهار باعتباره ملهما لكن شعبيته لم تتجاوز حدود مبني التليفزيون المصري الذي يخرج وزير الإعلام بنفسه لاستقباله أمامه ويفرش له السجادة الحمراء .
7- الدستور
كلاهما يري أهمية تعديل الدستور وضرورته ويعتبره علامة فارقة لا يمكن أن تستقر الأوضاع بدونه لكن فارق مذهل بين الدكتور البرادعي الذي يريد تغيير الدستور من أجل مصر ونجل الرئيس الذي قام حزبه بتعديل الدستور من أجله لذلك شعرت الناس بمصداقية البرادعي في كلامه وتفاعلت معه وخرجت لاستقباله في المطار لترسل رسالة للنظام الحاكم بضرورة التغيير وفي الوقت نفسه بعدم مصداقية جمال والتعامل معه باعتباره وريثا
8- العلاقة بأمريكا
أمريكا تعرف البرادعي كرئيس لوكالة دولية لها تأثيرها وتدرك قيمته كرجل يحظي بمكانة عالمية بارزة علي مدار سنوات طويلة بينما تري جمال مجرد شاب يسعي لخلافة والده علي كرسي الحكم و ترحب به إسرائيل وتري أنه الأنسب للمرحلة المقبلة في الوقت نفسه الذي تكره البرادعي وظلت تحاربه طوال فترة رئاسته للوكالة الدولية للطاقة الذرية ، وهي الدولة الوحيدة التي رفضت ترشيحه لولاية ثانية للوكالة .
9- الإعلام
وسائل إعلام دولة بأكملها لا تفعل شيئًا سوي تلميع صورة جمال مبارك وإظهار إنجازات أمانة السياسات وقدرتها الخارقة علي حل مشاكل المصريين بل إن كتبة الصحف الحكومية لا يكتفون بالتمجيد في نجل الرئيس بل إنهم أيضا يسعون بكل الطرق لتشويه صورة الدكتور محمد البرادعي الحاصل علي جائزة نوبل في السلام بعد أن كانوا يرفعون اسمه إلي عنان السماء ويعتبرونه بطلا قوميا عندما كرمه الرئيس مبارك لكن - سبحان مغير الأحوال- فجأة أصبح عميلا يحمل جنسية نمساوية لمجرد أنه فكر في ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية.
10- الفكر
لا نشعر أن جمال يمتلك حاسة المفكر الذي يضع يده علي أوجاع الناس وفي الوقت نفسه ليس خطيبا مفوها يستطيع جذب الناس أما البرادعي فمن اللحظة الأولي تتأكد أنه ليس خطيبا بارعا لكنه في الوقت نفسه مؤثرا بشكل لا مثيل له لأنه عقلية المفكر لا تحتاج إلي خطب تدافع عنها فأفكاره تكفي وما خرج من القلب يصل إلي القلب أما جمال فمن الطبيعي أن يحصل علي دروس في الخطابة لأنه من الممكن صناعة خطيب لكن من المستحيل صناعة مفكر
من جريدة الدستور - العدد الاسبوعى يوم الاربعاء 24 / 2 / 2010