الحسد والغيرة والنميمة
تنتشر في مجتمعنا الكثير من السلوكيات السلبية الخطيرة والتي تنذر باختلال كبير في المنظومة الاجتماعية من دون اي اكتراث منا، ومن هذه السلوكيات المخالفة دينيا والضارة نفسيا ومجتمعيا الحسد والغيرة والنميمة، وهي سلوكيات نهى عنها ديننا الإسلامي الحنيف، من خلال ما ورد في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، وأسباب انتشار مثل هذه الخصال المذمومة متعددة، وكلها تعود إلى الإنسان نفسه، وطريقة تفكيره، وفي أحيان كثيرة تتحول إلى ظواهر مرضية، لأنها ليست من الفطرة الإنسانية في شيء.
والحسد والغيرة والنميمة أمراض خطيرة، والبعض يسميه اليوم بإنفلونزا العقول والقلوب، وفعلاً هي كذلك لأنها تصيب العقل وتفسد القلب.
والغـِـيبة عرفها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي «ذِكْـرُك أخاك بما يكره»،
قال تعالى (ولايَـغْـتَـب بعضكم بعضاً)، لا عجب إذا صورها القرآن الكريم بصورة منفرة تتقزز منها النفوس، وتنبو عنها الأذواق (ولايغْـتَـب بعضكم بعضاً، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه)، والإنسان يأنف أن يأكل لحم أي إنسان، فكيف إذا كان لحم أخيه؟ وكيف إذا كان ميتاً؟! وقد نزل القرآن بذم هذه الرذيلة منذ أوائل العهد المكي إذ قال: (ولا تُـطِـع كل حلاَّف مَـهِـين، هَـمَّـاز مَـشَّـاءٍ بِـنَـمِـيم) والهماز هو الطَّـعَّـان في الناس.
وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة قتات)، والقتات هو النمام، وقيل النمام: هو الذي يكون مع جماعة يتحدثون حديثا فينم عليهم وهم لا يعلمون ثم ينم، إن الإسلام يغضب أشد الغضب على أولئك الذين يسمعون كلمة السوء فيبادرون إلى نقلها تزلفاً أو كيداً، أو حباً في الهدم والإفساد، أما الحسد فهو تمني زوال النعمة، والحسد مرض يلهب القلب ويشعله غيظاً، والحسد شر خطير، هكذا وصفه القرآن
فقال تعالى:(ومن شر حاسد إذا حسد)، ويلاحظ في مجتمعاتنا اليوم انتشار الحسد والكره بين البعض، وأصبح الإنسان لا يستطيع أن يبوح بنعم الله تعالى التي أنعمها عليه، وذلك خشية الحسد والعين، وصار لذلك انعكاسات سلبية تؤدي إلى نشر بذور التفرقة والكراهية بين أفراد المجتمع.أما بالنسبة لتجنب شرور الحسد والغيرة فيجب على الإنسان أن يعلم بأن الأرزاق متفاوتة وأن الله يرزق من يشاء ويمسك رزقه عمن يشاء، وأن الحسد لا يضر إلا صا حبه، مثل النار فهي لا تأكل إلا نفسها إذا لم تجد ما تأكله، كما يجب على الإنسان أن يوطن نفسه على الرضا والفرح للأخ المسلم، بسبب ما يمنه الله عليه من نعمة، وإذا وجد شيئاً أَحَـبه في أخيه المسلم فليقل ما شاء الله لا قوة إلا بالله، ولا حرج أن يسأل الله تعالى أن يرزقه كما رزق غيره، وعلى الإنسان أن يحصن نفسه بالأدعية من الحسد والغيرة ومن ذلك أن يتعوذ من شر الحسد والغيرة، فهناك القرآن الكريم خير ذكر يتحصن به الإنسان كقراءة سورة الفاتحة والكرسي والإخلاص والمعوذتين، وهناك الأذكار الواردة عن رسول الله، من ذلك أن يقول أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامَّـة، وغير ذلك من الأذكار.
ما قيل فى الحسد
يقول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:
الحاسد مغتاظٌ على من لا ذنب له.
الحسد داءٌ منصفٌ، يفعل في الحاسد أكثر من فعله بالمحسود. وكما قيل .لله در الحسد ما أعدلهْ بـــدأ بـصـاحبه فـقـتلهْ ويقول الفقيه أبو الليث السمرقندي رحمه الله تعالى: يصل الحاسد خمس عقوباتٍ قبل أن يصل حسده إلى المحسود:
* أوّلـــــها: غمٌ لا ينقطع.
* وثانيــها: مصيبةٌ لا يؤجر عليها.
* وثالثــها: مذمةٌ لا يحمد عليها.
* ورابعـها: سخط الرب.
* وخامسها: يُـغْـلَـق عنه باب التوفيق.
وما قيل فى الغيرة ايضا
قال احدهم :
أغار عليك من عيني وقلبي ومـنك ومن زمانك والمكانِ ولـو أني جعلتك في عيوني إلـى يـوم الـقيامة مـا كـفاني
يقولجان جاك روسو:
كلما ارتـفع الإنسان، تكاثـفت حوله الغيوم والمحن. لا يخلو جسدٌ من حسدٍ، فالكريم يخفيه، واللئيم يبديه.
يقول صالح عبد القدوس:
مـن يـخّبرك بشتمٍ من أخٍ فـهو الـشاتم لا من شتمكْ ذاك شـيء لم يواجهك بهِ إنما اللوم على من أعلمكْ
يقول زيد بن معاوية:
هـم يـحسدونني عـلى موتي فوا أسفا حتى على الموت لا أنجـــو من الحسدِ
يقول سفيان الثوري رحمه الله:
من عرف نفسه، لم يضـرّه ما قال الناس عنه. يكفيك من الحاسد أنه يغتمُ وقت سرورك.
عظمة عـقـلك تخلق لك الحساد. وعظمة قلبك تخلق لك الأصدقاء. صحّة الجسد في قـلّة الحسد.
يقول أبو تمام:
أغار من القميص إذا علاهُ مخافة أن يلامسه القميصُ
ألا قـل لـمن كـان لـي حاسداً
أتدري على من أسأت الأدبْ
أســأت عـلـى الله فـي حـكمهِ
لأنـك لـم ترض لي ما وهبْ
فـأخـزاك ربــي بـمـا زاد ني
وســدّ عـلـيك وجــوه الـطلبْ
وطبقاً لما جاء في التراث الإسلامي الأخلاقي العظيم، فإن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كان يمشي مع أصحابه فمروا على قبر، وعلى جانب الطريق جلس نبينا الكريم وبكى! وحينها سأله أصحابه: مِـمَّ بكاؤك يا رسول الله؟ فقال: «إن في هذا القبر (وأشار إليه) رجلاً يتعذب لأنه كان كثير الغيبة والنميمة في حياته»، وحينها أحضر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم سعفة وغرسها على القبر، ولما سئل عن ذلك أجاب بأن العذاب يخفف عن صاحب القبر مادام السعف أخضرا، ومن هذه الرواية، يتبين لنا أن الدين الإسلامي حذر من الحسد والغيرة والنميمة، وبينهما علاقة وثيقة قطعاً، لأن هذا المثلث يعكس سوء الحالة النفسية للإنسان، وهي إن اجتمعت في قلب الإنسان تدهورت حياته.
تفسير علم النفس والاجتماع للحسد والغيرة
الحسد والغيرة يمكن اعتبارهما من أنماط السلوك الاجتماعي المرضي وغير المقبول، لما له من أضرار على الفرد نفسه وعلى علاقته مع الآخرين، ويرجع السلوك إلى مشكلات تتعلق بسوء توافق الفرد نفسياً واجتماعياً، وبالتالي فهو يتجه عادة إلى ممارسة مثل هذه السلوكيات، ويعتبر الأفراد الأكثر ممارسة لهذا السلوك، وهؤلاء تنعدم لديهم ثقتهم بأنفسهم وفي مدى قدرتهم على الإنجاز، ولذا فهم يتجهون إلى النظر إلى حاجات الآخرين والرغبة في عدم وصول هذه الحاجات إليهم وتمني زوالها عنهم، وهذا السلوك يرتبط إلى حد كبير بالعدائية ورغبات الحقد. وقد يرتبط هذا السلوك بدوافع مثل تكرار خبرات الفشل لدى الفرد الذي يمارس هذا السلوك، ودوافع أخرى مثل الحقد والعدائية والدوافع اللاشعورية المكبوتة لدى هذا الفرد، كما قد ينتج عن ضعف التنشئة أو ممارسات خاطئة في تنشئة هذا الفرد.
ومن أكثر الأضرار الاجتماعية على الفرد والمجتمع جراء ممارسة هذا السلوك انعدام العلاقات الاجتماعية الإيجابية بين الأفراد، وبالتالي وجود ممارسات كثيرة من السلوكيات الاجتماعية السلبية ووجود مشاعر العدائية في علاقات الأفراد، وهذا قد يؤثر سلباً على مستوى إنتا جيتهم ودافعيتهم.
الاسلام والنميمه
لقد وجهت تعاليم الدين الإسلامي الحنيف إلى نبذ النميمة في المجتمع الاسلامي فقد جاءت آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية تحمل نهيا واضحا للنميمة في اطار حرص الدين على اصلاح المجتمع ونبذ أسباب الفرقة والتدمير عن هذا المتجمع ففي القرآن الكريم يقول الحق سبحانه وتعالى: ( ولا تطع كل حلاف مهين، هماز مشاء بنميم، مناع للخير معتد أثيم ) ويقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: ( إياكم والغيبة فإن الغيبة أشد من الزنا، إن الرجل قد يزني ويتوب، ويتوب الله عليه، وأن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه ) وقال صلى الله عليه وسلم: ( لا يدخل الجنة نمام ).
الاسلام والحسد
وكما هو معروف الحسد باب من أبواب الوقوع في القبائح والجرائم وفي الكثير من الرزائل، ومن القصص التاريخية والحوادث تظهر لنا في النهاية كيف أن الحاسد يضر نفسه أو يسئ لنفسه أو يقتل نفسه وتتنوع الآيات الكريمة والسنة في قضية الحسد وخطورته لتعالج هذه القضية في نفوس الناس وفي قصة بني آدمعليه السلام اكبر العبر فقد أشار أول ما أشار إلى قصة بني أدم
فقال سبحانه وتعالى: ( واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك ) (المائدة: 27) ، فهذا الأخ وهو أول أخ على وجه الأرض لآدم وهذا الأخ لما رأى أن الله سبحانه وتعالى تقبل من أخيه دخل في نفسه ما دخل من الحسد فسعى ليشفي غليله بقتل شقيقه فكان الشقيق عاقلا فقال له: ( لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك ) (المائدة: 28). ومع ذلك حمله الحسد على قتل أخيه الشقيق فكانت أول جريمة حصلت على وجه الأرض وذكرها القرآن الكريم وسببها الحسد.
قصة يوسف عليه السلام
وكذلك لما قص الله علينا قصة أخوة يوسف أخبر الله تعالى يعقوب عليه السلام بما علمه الله تعالى من النبوة إنه قال لابنه يوسف عندما قص عليه القصة قال: ( قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا ) (يوسف: 5)، فحذره ألا يظهر ما عنده من الرؤية المبشرة له بالملك والمنزلة العظيمة عند الله سبحانه وتعالى حتى لا يسعى إخوانه في الكيد له حسدا ليوسف عليه السلام وكذلك أخبرنا الله سبحانه وتعالى إن من الأمم وهم اليهود ممن يحسدون الناس على ما أتاهم من فضله فقال تعالى: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ) (النساء: 54). فلقد حسدوا ما خصه الله به هذه الأمة والنبي صلى الله عليه وسلم من البعثة فقد كانوا يرجون أن يكون النبي الخاتم منهم فلما جعله الله سبحانه وتعالى من بني إسماعيل حسدوا هذه الأمة لذلك فهؤلاء يحسدون أهل الإسلام منذ بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم وإلى أن تقوم القيامة.
وكذلك في سنة رسولنا صلى الله عليه وسلم حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: ( دب إليكم داء الأمم من قبلكم الحسد والبغضاء الا أنها الحالقة لا أقول أنها تحلق الشعر وإنما تحلق الدين )، وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم : ( لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسسوا )، وورد عنه صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب )، وقال صلى الله عليه وسلم وهو الذي لا ينطق عن الهوى: ( ثلاثة لا ينجو منها أحد وقل من ينجو منها الظن والطيرة والحسد )، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم قائد الأمة ومربيها على الخير والفضيلة.
الاسلام والغيره
جميعنا قد نغار ومن منا لا يغار.الغيرة غريزة فطريه خلقها الله داخل كل شخص منامثله
مثلها أي صفه توجد داخلنا ولكن هناك من تكون هذه الغريزة لديه معقولة وهناك من تتعدى اللامعقول ...ربما توصف الغيرة بأنها شعور مؤلم عند شخص يرغب في امتلاك واحتكار شيء ما وقد تفتك الغيرة بالصديقين ..وتنهي ما كان بينهما ..والغيرة شعور مثله مثل كثير من المشاعر والأحاسيس ..ولكنه شعور مؤلم إذاتعدى حده وزاد عنه وقد تصل إلى حد الشك والظن ..وربما ينتهي الحب بين الآخرين بسبب هذه الغيرة إذ أنها قد تولد انعدام الثقة بينهم..
لماذا تكون الغيرة زائدة عند البعض ؟؟لماذا تنقلب الغيرة في الغالب إلى مشاكل ؟؟
والغيرة تقتل الشخص وتجعلة يفعل اعمال طائشة صبيانة .
والغيرة المعتدلة خلق إسلامي أصيل، زكاه كتاب الله تعالى في كتابه الكريم، وحث عليه رسوله النبي الأمين. يقول ابن القيم في ( مدارج السالكين ): ومن منازل ( إياك نعبد وإياك نستعين ) منزلة الغيرة فى الاسلام.
تجدر الإشارة إلى أن غيرة المسلم على دينه من أن يمسها (الآخر) بسوء ليست نابعة من عدائية المسلم تجاه (الآخر) ورفضه بالكلية ،لأن القواعد الحاكمة لتعامل المسلم معه هي قوله تعالى :( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) (الكافرون: 6) ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) (البقرة: 256) ( وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا ) (المائدة: 8)- إنما هذه الغيرة نابعة من رغبة المسلم وحقه الفطري والإنساني في أن تكون له خصوصيته واستقلاليته، وحقه في أن يمارس شعائر دينه وعبادة ربه على هدي نبيه صلى الله عليه وسلم ولا سيما الهدي الظاهر من لباس أو مظهر... للرجل أو للمرأة. دون أن يكون ذلك الهدي الظاهر سببًا في عداء (الآخر ) له ونفوره منه، قبل أن يتعرف (الآخر) على فكره وآرائه ومشاعره نحوه ، وأن اختلاف التنوع والتعدد أمر محمود ولا مناص منه كما قال تعالى : ( قُلْ كُلُّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ) (الإسراء: 84) ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ )
(هود: 118-119).
الحسد أصله في اللغة
- القشر .. مأخوذ من الحسدل وهو القراد ، فالحسد يقشر القلب كما يقشر القراد الجلد ويمص دمه .
- كما أن الحسد صفة المنافق والكافر فالمنافق يحسد .
- أما المؤمن فصفته الغبطة .
وأنواعه
1- كراهه للنعمة على المحسود مطلقاً وهذا هو الحسد المذموم .
2- أن يكره فضل ذلك الشخص عليه فيحب أن يكون مثله أو أفضل منه وهذا الغبطة .
مراتب الحسد :
1- يتمني زوال النعمة عن الغير .
2- يتمنى زوال النعمة ويحب ذلك وإن كانت لا تنتقل إليه .
3- أن يتمنى زوال النعمة عن الغير بغضاً لذلك الشخص لسبب شرعي كأن يكون ظالماً .
4- ألا يتمنى زوال النعمة عن المحسود ولكن يتمنى لنفسه مثلها ، وإن لم يحصل له مثلها تمنى زوالها عن المحسود حتى يتساويا ولا يفضله صاحبه .
5- أن يحب ويتمنى لنفسه مثلها فإن لم يحصل له مثلها فلا يحب زوالها عن مثله وهذا لا بأس به.
وحكم الحسد :محرم
قال تعالى:" وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
تَوَّابٌ رَّحِيمٌ"
ومن السنة النبوية قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"أتدرون ما الغيبة؟ قالوا:الله ورسوله أعلم. قال:
ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال: إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته. وإن
لم يكن فيه، فقد بهته"
وقد وصف الله عزوجل " الحسد" بالشر بقوله تعالى : { ومن شر حاسد اذا حسد } سورة الناس
و الحسد من أخطر الأنواع التي تسري بين كثير من البشر بهدف إثارة البلبلة والقذف وإشاعة البغضاء
والشحناء بين المتحابين من أزواج وأصدقاء وأقارب وشركاء بهدف زوال النِعم من المحسودين. لذلك
تشديد تحريم الغيبة والنميمة ورد في أكثر من آية وحديث نبوي شريف. حيث يحاول المغتاب أو النمام بما
يحمل في قلبه من حسد وكره للمحسود نشر الأكاذيب وتلفيق القصص الزائفة والأقوال الجارحة لتصديقها
حتى تكون الفرقة ويكون التشتت وتشيع الكراهية وتزول الخيرات.
قال الله تعالى: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} [سورة القلم: 11-13].
ووصف القرآن الكريم النمام بتسع صفات كلها ذميمة:
الأولى: أنّه حلاف.. كثير الحلف ولا يكثر الحلف إلاّ إنسان غير صادق يدرك أن النّاس يكذبونه ولا يثقون
به فيحلف ليداري كذبه ويستجلب ثقة النّاس.
الثانية: أنّه مهين.. لا يحترم نفسه ولا يحترم النّاس قوله، وآية مهانته حاجته إلى الحلف، والمهانة صفة
نفسية تلصق بالمرء ولو كان سلطاناً ذا مال وجاه.
الثالثة: أنّه همَّاز.. يهمز النّاس ويعيبهم بالقول والإشارة في حضورهم أو في غيبتهم على حدٍ سواء.
الرابعة: أنّه مشاء بنميم.. يمشي بين النّاس بما يفسد قلوبهم ويقطع صلاتهم ويذهب بمودتهم. وهو خلق
ذميم لا يقدم عليه إلاّ من فسد طبعه وهانت نفسه.
الخامسة: أنّه مناع للخير.. يمنع الخير عن نفسه وعن غيره.
السادسة: أنّه معتدٍ.. متجاوز للحق والعدل إطلاقا.
السابعة: أنّه أثيم.. يتناول المحرمات ويرتكب المعاصي حتى انطبق عليه الوصف الثابت والملازم له
"أثيم".
الثامنة: أنّه عتل.. وهي صفة تجمع خصال القسوة والفضاضة فهو ذا شخصية كريهة غير مقبولة.
التاسعة: أنّه زنيم.. وهذه خاتمة صفاته.
1 - تعريف النميمة .. هى نقل الكلام بين طرفين لغرض الإِفساد. يقول الغزالى تطلق النميمة فى الأكثر
على من ينم قول الغير إلى المقول فيه، كما تقول : فلان كان يتكلم فيك بكذا وكذا، وتعرَّف النميمة أيضا
بكشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو كرهه طرف ثالث وسواء كان الكشف
بالقول أو الكتابة أو الرمز والإِيماء ، فالنميمة إفشاء السر وكشف الستر عما يكره كشفه ، وجاء فى
الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم مر على قبرين يعذَّبان فوضع عليهما جريدة وقال إنهما يعذبان فى
كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله ، وأما الآخر فكان يمشى بالنميمة بين الناس.
2 -مظاهرها : تكون النميمة بين الحبيبين وبين الزوجين ، وبين الأسرتين ، وبين الدولتين ، وبين الرئيس
والمرءوسين.
3 - آثارها : التفرقة بين الناس ، قلق القلب ، عار للناقل والسامع ، حاملة على التجسس لمعرفة أخبار
الناس ، حاملة على القتل ، وعلى قطع أرزاق الناس ، جاء فى الحديث " لا يبلغنى أحد منكم عن أصحابى
شيئا ، فأنا أحب أن أخرج إليهم وأنا سليم الصدر".
4 -صفات النمام : النمام ذليل ، جاء فى إحياء علوم الدين "ج 3 ص35 " أن رجلا سأل حكيما عن
السماء وما أثقل منها؟ فقال : البهتان على البرىء ، وعن الأرض وما أوسع منها؟ فقال : الحق ، وعن
الصخر وما أقسى منه ؟ فقال : قلب الكافر وعن النار و أحَرَّ منها؟ فقال : الحسد ، وعن الزمهرير وما
أبرد منه ؟ فقال : الحاجة إلى القريب إذا لم تنجح. وعن البحر وما أغنى منه ؟ فقال: القلب القانع ، وعن
اليتيم وما أذل منه ؟ فقال : النمام إذا بان أمره ، النمام كذاب ، غشاش ، مغتاب ، خائن للسر، غادر للعهد
، غال حسود ، منافق ، مفسد يحب الشر للناس ، الصدق لا يذم من أحد إلا من النمام ، ذو وجهين ،
متجسس ، فاسق.
فعمل النمام أشد من عمل السحر.
- ويحكى عن حماد بن سلمة قال : " باع رجل غلاما فقال:ليس به عيب إلا أنه نمّام فاستخف المشتري
بقوله واشتراه على ذلك , فمكث أياما , ثم قال لزوجة سيده: إن زوجك لا يحبك وهو يريد أن يتسرّى
عليك أفتريدين أعطفه عليك فنحتال فيه بحيلة فيه؟ قالت: نعم, فقال لها: خذي الموسى واحلقي شعرات من
باطن لحيته إذا هو نام؛ ثم جاء الغلام للزوج فقال: إن امرأتك تخونك وقد اتخذت خليلاً وهي تريد قتلك
أتريد أن أبيّن لك ذلك؟ قال: فتناوم لها (يعني اجعل نفسك كالنائم) ففعل, فجاءت المرأة بالموسى لتحلق
الشعرات فظن الزوج أنها تريد قتله فأخذ منها الموسى فذبحها, فجاء أولياؤها فقتلوه بها, ووقع القتال بين
الفريقين".
ولهذا قال بعض السلف: "النميمة لا تقرّب مودة إلا أفسدتها ولا عداوة إلا جدّدتها ولا جماعة إلا بدّدتها, لا
بد لمن عرف بها أو نسب إليها أن يجتنب ويخاف من معرفته ولا يوثق بمكانه".
وقال لقمان لابنه: "يا بني أوصيك بخلال إن تمسكت بهن لم تزل سيدا: ابسط خلقك للقريب والبعيد، وأمسك
جهلك عن الكريم، واحفظ إخوانك، وصل أقاربك وآمنهم من قبول قول ساع أو سماع باغ يريد فسادك
ويروم خداعك، وليكن إخوانك من إذا فارقتهم وفارقوك لم تعبهم ولم يعيبوك".