كذبات أمي الثمانيه

صباحكم مسائكم
مسك

ليس دائما..تقول أمي الحقيقه..
ثماني مرات..كذبت أمي علي..


تبدأ القصة عند ولادتي..
فكنت الإبن الوحيد في أسرة شديدة الفقر..فلم يكن لدينا من الطعام ما يكفينا..وإذا وجدنا في يوم من الأيام بعض الأرز لنأكله ويسد جوعنا...كانت أمي تعطيني نصيبها..وبينما كانت تحول الأرز من طبقها إلى طبقي كانت تقول:
يا ولدي تناول هذا الأرز فأنا لست جائعه...

وكانت هذه كذبتها الأولى

وعندما كبرت أنا شيئا قليلا كانت أمي تنتهي من شؤون المنزل وتذهب للصيد في نهر صغير بجوار منزلنا..وكان عندها أمل أن أتناول سمكة قد تساعدني على أن أتغذى وأنمو..
وفي مرة من المرات..استطاعت بفضل الله أن تصطاد سمكتين..أسرعت إلى البيت وأعدت الغذاء ووضعت السمكتين أمامي..فتناولت السمكة الأولى شيئا فشيئا..وكانت أمي تتناول ما تبقى من اللحم حول العظام والشوك..فاهتز قلبي لذلك..ووضعت السمكة الثانيه أمامها لتأكلها..فأعادتها أمامي فورا وقالت:
يا ولدي تناول هذه السمكة أيضا ألا تعرف أني لا أحب السمك..

وكانت هذه كذبتها الثانيه

وعندما كبرت أنا..كان لابد أن التحق بالمدرسه..ولم يكن معنا من المال ما يكفي مصروفات الدراسه..فذهبت أمي إلى السوق واتفقت مع موظف بأحد محال الملابس أن تقوم هي بتسويق البضاعه بدورانها على المنازل وعرضها على السيدات..
وفي ليلة شتاء ممطره تأخرت أمي في العمل..وكنت أنتظرها في المنزل..فخرجت أبحث في الشوارع المجاوره ووجدتها تحمل البضائع وتطرق الأبواب..
فناديتها: أمي هيا نعود إلى المنزل فالوقت متأخر والبرد شديد وبإمكانك أن تواصلي العمل في الصباح.
فابتسمت وقالت لي: يا ولدي أنا لست مرهقه..

وكانت هذه كذبتها الثالثه

وفي يوم كان اختبار آخر العام بالمدرسه..أصرت أمي على الذهاب معي..ودخلت أنا ووقفت هي تنتظر خروجي في حرارة الشمس المحرقه..وعندما دق الجرس وانتهى الإمتحان..خرجت لها فاحتضنتني بقوة ودفء..ووجدت معها كوبا فيه مشروبا كانت قد اشترته لي كي أتناوله عند خروجي..فشربته من شدة العطش حتى ارتويت..
وفجأة نظرت إلى وجهها فوجدت العرق يتصبب..فأعطيتها الكوب وقلت لها: اشربي يا أمي..
فردت: يا ولدي اشرب انت..أنا لست عطشى..

وكانت هذه كذبتها الرابعه

وبعد وفاة أبي كان على أمي أن تعيش حياة الأم الأرملة الوحيدة..وأصبحت مسؤولية المنزل تقع على كاهلها وحدها..فأصبحت الحياة أكثر تعقيدا..وصرنا نعاني الجوع..كان عمي رجلا طيبا..وكان يسكن بجانبنا ويرسل لنا ما نسد به جوعنا..
وعندما رأى الجيران حالتنا تتدهور من سئ إلى أسوء..نصحوا أمي بأن تتزوج رجلا ينفق علينا..فهي لا زالت صغيره..ولكن أمي رفضت الزواج قائلة:
أنا لست بحاجة إلى الحب..

وكانت هذه كذبتها الخامسه

وبعدما انتهيت من دراستي وتخرجت من الجامعه..حصلت على وظيفة جيده إلى حد ما..واعتقدت أن هذا هو الوقت المناسب لكي تستريح أمي وتترك لي مسؤولية الإنفاق على المنزل..وكانت في ذلك الوقت لم يعد لديها من الصحة ما يعينها على أن تطوف بالمنازل..فكانت تفترش فرشا في السوق وتبيع الخضروات كل صباح..
فلما رفضت أن تترك العمل..خصصت لها جزءا من راتبي..فرفضت أن تأخذه قائلة:
يا ولدي احتفظ بمالك..ان معي من المال ما يكفيني..

وكانت هذه كذبتها السادسه

وبجانب عملي واصلت دراستي كي أحصل على درجة الماجستير..وبالفعل نجحت وارتفع راتبي..ومنحتني الشركه التي أعمل بها الفرصه للعمل بالفرع الرئيسي في أحد البلاد الأوروبيه..فشعرت بسعادة بالغه وبدأت أحلم ببداية جديده وحياة سعيده..
وبعدما سافرت وتهيأت الظروف..اتصلت بأمي أدعوها أن تأتي للإقامة معي..ولكنها لم تحب أن تضايقني وقالت:
يا ولدي أنا لست معتادة على المعيشة المترفه..

وكانت هذه كذبتها السابعه

كبرت أمي وأصبحت في سن الشيخوخه..وأصابها مرض عضال..وكان يجب أن يكون بجانبها من يمرضها..فتركت كل شئ وذهبت لزيارتها في المنزل..فوجدتها طريحة الفراش بعد إجراء عملية..
وعندما رأتني حاولت أن تبتسم لي.. ولكن قلبي كان يحترق لأنها كانت هزيلة جدا وضعيفه..ليست أمي التي أعرفها..
انهمرت الدموع من عيني..ولكن أمي حاولت أن تواسيني فقالت:
لا تبكي يا ولدي..فأنا لا أشعر بالألم..

وكانت هذه كذبتها الثامنه

وبعدما قالت لي ذلك..أغلقت عينيها فلم تفتحهما بعدها أبدا..
إلى كل من ينعم بوجود أمه في حياته..
حافظ على هذه النعمه قبل أن تندم وتحزن على فقدانها...
وإلى كل من فقد أمه الحبيبه..
تذكر دائما كم تعبت لأجلك..وادع لها بالرحمة والمغفره...