مولده
السلطنة الأيوبية تحت حكم صلاح الدينولد صلاح الدين في تكريت عام 532 هـ / 1138 م في ليلة مغادرة والده نجم الدين أيوب قلعة تكريت حينما كان والياً عليها، ويرجع نسب الأيوبيون إلى أيوب بن شاذي بن مروان من أهل مدينة دوين في أرمينيا [1]، وبحسب ابن الأثير فإن نسبه يعود إلى الأكراد الروادية[2]، بينما ينفي الأيوبيون هذا النسب وقالوا "انما نحن عرب، نزلنا عند الأكراد وتزوجنا منهم"[3] الأيوبيون ملوك اليمن قالوا بنسبتهم إلى بني أمية[4]، أما الأيوبيون ملوك دمشق فأنهم أثبتوا نسبهم إلى بني مرة بن عوف من بطون غطفان وقد أحضر هذا النسب على المعظم عيسى بن أحمد صاحب دمشق[5].
وقد شرح الحسن بن داود الأيوبي في كتابه "الفوائد الجلية في الفرائد الناصرية"[6] ما قيل عن نسب أجداده وقطع أنهم ليسوا أكرادًا، بل نزلوا عندهم فنسبوا إليهم. وقال: "ولم أرَ أحداً ممن أدركتُه من مشايخ بيتنا يعترف بهذا النسب".
كما أن الحسن بن داوود قد رجَّح في كتابه صحة شجرة النسب التي وضعها الحسن بن غريب، و التي فيها نسبة العائلة إلى أيوب بن شاذي بن مروان بن أبي علي (محمد) بن عنترة بن الحسن بن علي بن أحمد بن أبي علي بن عبد العزيز بن هُدْبة بن الحُصَين بن الحارث بن سنان بن عمرو بن مُرَّة بن عُوف بن أسامة بن بَيْهس بن الحارث بن عوف بن أبي حارثة بن مُرّة بن نَشبَة بن غَيظ بن مرة بن عوف بن لؤي بن غالب بن فِهر (وهو جد قريش).
وكان نجم الدين والد صلاح الدين قد انتقل إلى بعلبك حيث أصبح والياً عليها مدة سبع سنوات وانتقل إلى دمشق وقضى صلاح الدين طفولته في دمشق حيث قضى فترة شبابه في بلاط الملك العادل الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي ملك دمشق [7]. وكان من القادة في جيش نور الدين ، أرسله نور الدين من دمشق في الحملات في الشام وإلى مصر ليستكمل عمل عمه أسد الدين شيركوه على رأس الجيش التي ارسله من دمشق لمواجهة الصليبين في الشام وفي مصر بسط سيطرته عليها والعمل وعمل على صد الحملة الصليبية ، وفي ذات الوقت ليستكمل انتزاعها من الفاطميين الذين كانت دولتهم في أفول، فنجح في عرقلة هجوم الصليبيين سنة 1169 بعد موت عمه شيركوه، و قمع تمرداً للجنود الزنوج، كما فرض نفسه كوزير للخليفة للعاضد، فكان صلاح الدين هو الحاكم الفعلي لمصر.
بدايته
كان الوزير الفاطمي شاور قد فر من مصر هرباً من الوزير ضرغام بن عامر بن سوار الملقب فارس المسلمين اللخمي المنذري لما استولى على الدولة المصرية وقهره وأخذ مكانه في الوزارة وقتل ولده الأكبر طيء بن شاور فتوجه شاور إلى الشام مستغيثا بالملك نور الدين زنكي في دمشق وذلك في شهر رمضان 558ھ ودخل دمشق في 23 من ذي القعدة من السنة نفسها فوجه نور الدين معه أسد الدين شيركوه بن شاذي في جماعة من عسكره كان صلاح الدين في جملتهم في خدمة عمه وخدمة جيش الشام وهو كاره للسفر معهم وكان لنور الدين في إرسال هذا الجيش هدفان؛ قضاء حق شاور لكونه قصده ودخل عليه مستصرخا، وأنه أراد استعلام أحوال مصر فإنه كان يبلغه أنها ضعيفة من جهة الجند وأحوالها في غاية الاختلال فقصد الكشف عن حقيقة ذلك.
وكان نور الدين كثير الاعتماد على شيركوه لشجاعته ومعرفته وأمانته فانتدبه لذلك وجعل أسد الدين شيركوه ابن أخيه صلاح الدين مقدم عسكره وشاور معهم فخرجوا من دمشق على رأس الجيش وفي جمادى الأولى سنة 559ھ فدخلوا مصر وسيطروا عليها واستولوا على الأمر في رجب من السنة نفسها.
ولما وصل أسد الدين وشاور إلى الديار المصرية واستولوا عليها وقتلوا الضرغام وحصل لشاور مقصودة وعاد إلى منصبه وتمهدت قواعده واستمرت أموره غدر بأسد الدين شيركوه واستنجد بالإفرنج عليه فحاصروه في بلبيس، وكان أسد الدين قد شاهد البلاد وعرف أحوالها . ولكن تحت ضغط من هجمات مملكة القدس الصليبية والحملات المتتالية على مصر بالإضافة إلى قلة عدد الجنود الشامية أجبر على الانسحاب من مصر . واعاد الملك نور الدين بن عماد الدين زنكي بأرسال الجيش من دمشق لمجابهة الصليبين . وبلغ إلى علم نور الدين في دمشق وكذلك أسد الدين مكاتبة الوزير الخائن شاور للفرنج وما تقرر بينهم فخافا على مصر أن يملكوها ويملكوا بطريقها جميع البلاد هناك فتجهز أسد الدين في قيادة الجيش وخرج من دمشق وأنفذ معه نور الدين العساكر وصلاح الدين في خدمة عمه أسد الدين، وكان وصول أسد الدين إلى البلاد مقارنا لوصول الإفرنج إليها واتفق شاور والمصريون بأسرهم والإفرنج على أسد الدين وجرت حروب كثيرة.
وتوجه صلاح الدين في قيادة الجيش إلى الإسكندرية فاحتمى بها وحاصره الوزير شاور في جمادى الآخرة من سنة 562ھ ثم عاد أسد الدين من جهة الصعيد إلى بلبيس وتم الصلح بينه وبين المصريين وسيروا له صلاح الدين فساروا إلى دمشق .
عاد أسد الدين من دمشق إلى مصر مرة ثالثة وكان سبب ذلك أن الإفرنج جمعوا فارسهم وراجلهم وخرجوا يريدون مصر ناكثين العهود مع أسد الدين طمعا في البلاد فلما بلغ ذلك أسد الدين ونور الدين في الشام لم يسعهما الصبر فسارعا إلى مصر أما نور الدين فبالمال والجيش ولم يمكنه المسير بنفسه للتصدي لاي محاولة من قبل الإفرنج ، وأما أسد الدين فبنفسه وماله وإخوته وأهله ورجاله وسار الجيش .
يقول بن شداد:
«لقد قال لي السلطان صلاح الدين قدس الله روحه كنت أكره الناس للخروج في هذه الدفعة وما خرجت من دمشق مع عمي باختياري وهذا معنى قول القرآن "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم"»
(البقرة:216)
وكان شاور لما أحس بخروج الإفرنج إلى مصر سير إلى أسد الدين في دمشق الشام يستصرخه ويستنجده فخرج مسرعا وكان وصوله إلى مصر في شهر ربيع الأول سنة 564ھ ولما علم الإفرنج بوصول أسد الدين على رأس الجيش من دمشق إلى مصر على اتفاق بينه وبين أهلها رحلوا راجعين على أعقابهم ناكصين وأقام أسد الدين بها يتردد إليه شاور في الأحيان وكان وعدهم بمال في مقابل ما خسروه من النفقة فلم يوصل إليهم شيئا وعلم أسد الدين أن شاور يلعب به تارة وبالإفرنج أخرى، وتحقق أنه لا سبيل إلى الاستيلاء على البلاد مع بقاء شاور فأجمع رأيه على القبض عليه إذا خرج إليه، فقتله وأصبح أسد الدين وزيرا وذلك في سابع عشر ربيع الأول سنة 564ھ ودام آمرا وناهيا و صلاح الدين يباشر الأمور مقرراً لها لمكان كفايته ودرايته وحسن رأيه وسياسته إلى الثاني والعشرين من جمادى الآخرة من السنة نفسها فمات أسد الدين.
ولما بلغ صلاح الدين قصد الإفرنج دمياط استعد لهم بتجهيز الرجال وجمع الآلات إليها ووعدهم بالإمداد بالرجال إن نزلوا عليهم وبالغ في العطايا والهبات وكان وزيرا متحكما لا يرد أمره في شيء ثم نزل الإفرنج عليها واشتد زحفهم وقتالهم عليها وهو يشن عليهم الغارات من خارج والعسكر يقاتلهم من داخل فانتصر عليهم فرحلوا عنها خائبين فأحرقت مناجيقهم ونهبت آلاتهم وقتل من رجالهم عدد كبير.
في 1170 أغار صلاح الدين على غزة التي كان يسيطر عليها الصليبيون، وفي السنة التالية انتزع أيلة من مملكة أورشليم الصليبية وأغار على مقاطعتي شرق نهر الأردن الشوبك و الكرك.