«مرض نزف الدم من الأمراض المؤلمة لأنه يفرض على رب الأسرة خيارات صعبة، فهو يتنازع بين خيار أن يكون هناك طعام متوفر بالمنزل، أو توفير طريقة مواصلات للذهاب إلى المستشفى، أو شراء الدواء إن كان باستطاعة الأسرة، أو شراء بلازما طازجة مجمدة أو دم».
والد طفلين يعانيان من مرض نزف الدم الوراثي الحاد، قدمه «مجتمع نزيف الدم الماليزي» في عام 2008 للمؤتمر العالمي لنزف الدم الوراثي في تركيا.
حياة الذين يعانون من مرض نزف الدم الوراثي أو ما يسمى «الهيموفيليا» (Haemophilia) يمكن أن تكون رحلة طويلة وموحشة، ومن المحتمل أن تكون هناك مشاعر غضب وحرمان، وإحباط. هذه المشاعر يمكن أن تكون أكثر صعوبة وحدّة عندما يكون الشخص المتضرر طفلا ما زال يفتقر إلى النضج الكافي لفهم طبيعة المرض.
وعادة ما يقع عبء مكثف على الآباء والأمهات، الذين يعانون من مشاهدة طفلهم وهو يعاني من هذا المرض الموهن، وتؤثر أعراض المرض على جميع أفراد الأسرة نفسيا واقتصاديا، كلما تقدم المرض.
اضطراب في الدم
يعتبر الهيموفيليا واحدا من أقدم أنواع اضطرابات الدم للبشرية، وربما عرف هذا المرض أكثر عندما تم اكتشاف مرض «متلازمة نقص المناعة المكتسب» (الإيدز) في عام 1980، حين كان الدم الملوث ينقل الإيدز إلى دم مرضى الهيموفيليا بسبب الحاجة الدائمة إلى نقل الدم لإنقاذ حيواتهم، ويعرف المعهد الوطني الأميركي للصحة مرض الهيموفيليا بوصفه اضطرابا وراثيا ناجما عن عدم وجود عوامل تجلط الدم.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فــإن الهيمـوفـيليا الذي يصيب الرجال عادة، يحدث بشكل رئيسي في 1 من كل 5000 مولود ذكر، وتشير الدراسات في بريطانيا أن هناك 6000 شخص يعانون من نزيف الدم، أغلبهم من الرجال والفتيان، أما في أميركا يوجد حاليا 17.000 شخص مصاب بالهيموفيليا.
ووفقا للمركز العربي لدراسات الجينوم، فإنه على الرغم من كونه غير مألوف في الدول العربية، فإن مرض الهيموفيليا ما زال هو الأكثر شيوعا من أنواع أمراض الدم الموروثة في المنطقة، وهو يصيب غالبية المرضى الذين يعانون من اضطرابات نزيف الدم في المنطقة العربية، بما يعادل 72 في المائة منهم في المملكة العربية السعودية، و53 في المائة في العراق، و38 في المائة في الأردن.
آليات تجلط الدم
عندما تصاب الأوعية الدموية، تتشنج لتحد من نزف الدم، بالإضافة إلى آليات أخرى، ويشمل هذا تجمع الصفائح الدموية في الموقع المتضرر لتشكيل سد الصفائح.
وهذه العملية هي بداية لكسر سيولة الدم المعتادة بطريقة تجعل مكوناته تلعب دورا مهما في التقليل من فقدان الدم، ويكون الدم عادة في الحالة السائلة في الأوعية الدموية، ولكن عندما يتركها يثخن ويشكل هلاما (تجلط الدم)، وتخثر الدم يحوله إلى حالة صلبة، وهذا يعمل على توقف النزيف.
إن عملية التخثر هي عملية معقدة، وتنطوي على كثير من عوامل التخثر مع الأنسجة وتفاعل كل منها مع الآخر، والبروتينات من عوامل التخثر أو التجلط، وأهمها عوامل التخثر 8 و9.
أنواع الهيموفيليا
يوجد نوعان من مرض نزف الدم الوراثي:
هيموفيليا (أ): وهذا النوع هو الأكثر شيوعا، ويحدث بسبب نقص عامل التخثر الثامن، ويصاب 9 من كل 10 أشخاص بهذا النوع. هيموفيليا (ب): وهذا هو الأقل شيوعا، ويحدث بسبب نقص عامل التخثر التاسع.
يمكن لنزيف الدم أن يكون خفيفا، أو معتدلا، أو حادا، وهذا يتوقف على مقدار عوامل التجلط في الدم:
- عندما يكون الهيموفيليا من النوع الخفيف، إذ يوجد نحو 5 ـ 30 في المائة من عوامل التجلط الطبيعي، فالطفل المصاب بالنوع الخفيف قد يحتاج إلى العلاج بعد إصابة شديدة أو في أثناء إجراء أي عملية جراحية.
- الهيموفيليا المعتدل، إذ يوجد 1 ـ 5 في المائة من العوامل الطبيعية، فعلى الأرجح أن ينزف الطفل الذي يعاني من النوع المعتدل أكثر بعد أي إصابة طفيفة أو خلال إجراء العمليات الجراحية.
- الهيموفيليا الشديد، وهنا يوجد أقل من 1 في المائة من العوامل الطبيعية، فالطفل قد ينزف تلقاء نفسه، أو بعد أي إصابة أو جراحة طفيفة.
أسباب الهيموفيليا
نزف الدم هو اضطراب وراثي. في معظم الأحيان يكون هناك شخص مصاب في الأسرة بالهيموفيليا، ولكن الأبحاث تشير إلى أن 1 من كل 3 مصابين بنزيف الدم، ليس لديه تاريخ عائلي للمرض، وفي هذه الحالات تكون الإصابة بسبب تغيرات آنية (طفرة) في الجينات.
الجينات التي تحمل نزيف الدم تنتقل من الأم إلى الطفل عن طريق الكروموسوم إكس (X). وكما نعلم، فإن الكروموسومات التي تحدد ما إذا كان الشخص سيصبح ذكرا أم أنثى، وهما (واي إكس ـ YX)، وبالنسبة إلى الرجل (إكس واي ـ XY) والإناث لأنها (إكس إكس ـ XX).
وبما أن الرجال لديهم كروموسوم واحد فقط (إكس)، فإذا كان مصابا سيصاب الطفل بالهيموفيليا، أما بالنسبة إلى الفتيات فلديهن (إكس إكس)، فإذا أصيب أحدهما بالهيموفيليا فالآخر سيعوض، وبذلك لن تصاب الفتاة بالمرض، ولكنها ستكون ناقلة له. وكمثال على ذلك فإن نسبة نقل المرض من المرأة الحامل لأبنائها لا تقل عن 50 في المائة، وأن تكون بناتها حاملات للمرض أيضا بنسبة 50 في المائة.
الأعراض والعلامات
أكثر علامات مرض الهيموفيليا وضوحا النزيف،ونادرا ما يكون للأطفال الصغار في عمر أقل من ستة شهور أعراض، ما لم يكن لديهم هيموفيليا حاد، حيث يمكن إصابتهم برضوض عند حملهم، وفي بعض الأحيان تظهر أولى علامة المرض عندما يحدث نزيف دم شديد بعد ختان الطفل، والعلامات والأعراض هي نفسها لكلا النوعين (ألف وباء). وأكثرها شيوعا ما يلي:
- كدمات ونزيف اللثة عند نمو أسنان اللبن.
- كدمات ورضوض من كثرة الوقوع عند تعلم المشي.
- التورم والكدمات من نزيف المفاصل والعضلات.
- النزف لمدة طويلة بعد قطع الجلد أو إجراء جراحة الأسنان.
- ظهور دم في البول أو البراز.
- ألم في المفاصل، وقد يقلل الطفل حركة الذراع أو الساق بسبب هذا الألم.
مضاعفات المرض
إذا ما ترك المرض من دون علاج فإن النزيف يمكن أن يكون مؤلما جدا، ومن المحتمل أن يتسبب في الضرر على المدى الطويل، وحدوث نزيف داخلي أمر شائع في الأطفال الذين يعانون من نزيف الدم الحاد. ومن الممكن أن يحدث النزيف في المخ، والحلق، والأمعاء، أو المثانة والكلى، وإذا حدث هذا فسيحتاج طفلك إلى العلاج الفوري في المستشفى.
مرض الهيموفيليا هو مرض مزمن، ويمكن أن يؤثر على طفلك مدى حياته، لذلك على الآباء والأمهات توخي الحذر والتأهب لضمان أنه في حالة حدوث أي تعقيدات يعالج الأمر على الفور وبشكل فعال.
يتم تشخيص الهيموفيليا عادة من خلال إجراء تقييم مفصل للطفل والتاريخ الطبي لأسرته، بالإضافة إلى الفحص البدني، وتجرى اختبارات الدم لتأكيد التشخيص. أهم علاج للمرض يعرف باسم العلاج الاستبدالي، ويشمل استبدال عوامل التخثر المنخفضة أو المفقودة في الدم. وعادة ما يركز العلاج على تفادي حدوث نزيف، ولكن إذا لم يحدث ذلك، هناك أيضا العلاج المتاح لوقف النزيف.
دور الوالدين
إن تشخيص طفلك بمرض الهيموفيليا، يمكن أن يكون تجربة قاسية للوالدين، فقط عن طريق التعليم والدعم، يمكن للوالدين التغلب على مخاوفهما على الطفل، وعادة ما يأخذا وقتا لاستجماع مشاعرهما والسيطرة على القلق وتقبل الصدمة.
ومن دون شك فجميع الآباء يحتاجون إلى وقت لتقبل حقيقة أن طفلهم مصاب، وقد يشعرون بالذنب بأنهم سبب مرضه، إذا كنت ترى أنك غير قادر على مواجهة الأمر، تذكر أن طفلك يحتاج إلى تماسكك وقوتك وتفاؤلك ليتغلب على مرضه، إذا نظرت إلى إصابته بالهيموفيليا بشكل إيجابي، فهذا سيوجه طفلك نحو طفولة أكثر متعة، وسيتأكد أنك معه إلى نهاية المطاف في رحلة مليئة بالتحديات.
نقاط جوهرية عن مرض نزف الدم الوراثي
- لا ينقل الآباء الهيموفيليا لأبنائهم (لأنهم لا يملكون الكروموسوم (إكس x).
- على الرغم من ندرته، فإن الأنثى يمكن أن تصاب بالهيموفيليا إذا كان كل من الأم والأب يحملان جيناته.
- حدوث نزيف المفاصل أكثر شيوعا في الركبتين والمرفقين والكاحلين.
- نزيف الدم لا يمكن علاجه ولكن يمكن إدارته بصورة فعالة.
10 اقتراحات لوالدي الطفل المصاب بالهيموفيليا
1- تأكد من تثقيف نفسك بأكبر قدر ممكن عن هذا المرض، لكي تتمكن من فهم كيفية تقديم المساعدة والدعم لطفلك.
2- الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 2 ـ 5 سنوات يمكن حمايتهم من الكدمات والجروح عن طريق استخدام أربطة الركب، والكتف، والخوذات الواقية لركوب الدراجات، واستخدام مقاعد السيارات عند ركوب السيارات. معظم الخبراء يوصون بهذه الاحتياطات، لا سيما بالنسبة لهذه الفئة العمرية، بسبب حركتهم المفرطة، وتقليل احتمالات النزيف.
3- تأكد من أن طفلك في مأمن دائما من السقوط من على المقعد أو السرير، وهذا يمكن من خلال استخدام أحزمة الأمان، في حال وجودها، أو بوضع السجاد في المنزل، للحد من تأثير السقوط على الأرض.
4- إزالة كل أنواع الأثاث ذي الأطراف الحادة، إن أمكن، أو وضع وسادة على الأركان، وإبعاد كل الأدوات الحادة.
5- تأكد من أن كل الأدوية بعيدة عن متناول طفلك، فبعض العقاقير مثل الأسبرين يمكن أن تؤدي إلى نزيف حاد إذا ابتلعها طفلك عن طريق الخطأ.
6- تأكد من أن المدرسين بالحضانة، أو بمدرسة طفلك، ملمون بحالته، وذلك ليتمكنوا من الاتصال بك على الفور إذا حدث أي شيء لطفلك.
7- قم بفحص دوري لأسنان طفلك، وتأكد من اطلاع طبيب الأسنان على حالته.
8- حاول أن تسيطر على انفعالاتك ولا تظهر الفزع أو الذعر أمام طفلك، فذلك لن يؤدي إلا إلى زيادة مشاعر الخوف في نفسه.
9- سيطر على عواطفك، ولا تحاول حماية طفلك أكثر من اللازم، بعض الآباء يمنعون أطفالهم المرضى من ممارسة الرياضة خوفا من إيذاء أنفسهم، لا تفعل ذلك، فالرياضة جيدة لطفلك، فهي تجعل العضلات أقوى، وبالتالي تحافظ على المفاصل، لكن تجنب الرياضات التي تتلامس فيها الأجسام، مثل كرة القدم والمصارعة.
10- تذكر الترفيه عن طفلك، واسمح له بالتمتع بطفولته، وخلق بيئة آمنة يتحرك فيها بحرية من دون خوف من الإصابة، وبالتالي النزيف.